فصل: الشاهد الثامن والأربعون بعد الخمسمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.وفاة صلاح الدين وحال ولده وأخيه من بعده.

ولما وصل صلاح الدين إلى دمشق وقد خف من شواغل الإفرنج بوهنهم وما عقد من الهدنة فأراح قليلا ثم اعتزم على أحداث الغزو فاستشار ابنه الأفضل وأخاه العادل في مذهبه فأشار العادل بخلاط لأنه كان وعده أن يقطعه إياها إذا ملكها وأشار الأفضل ببلاد الروم إيالة بني قليج أرسلان لسهولة أمرها واعتراض الإفرنج فيها إذا قصدوا الشام لأنها طريقهم فقال لأخيه تذهب أنت لخلاط في بعض ولدي وبعض العسكر وأذهب أنا إلى بلاد الروم فإذا فرغت منها لحقت بكم فسرنا إلى أذربيجان ثم إلى بلاد العجم وأمره بالمسير إلى الكرك وهي من أقطاعه ليتجهز منها ويعود لشأنه فسار إلى الكرك ومرض صلاح الدين بعده ومات في صفر سنة تسع وثمانين وخمسمائة لخمس وعشرين من ملكه مصر رحمة الله تعالى وكان معه بدمشق ابنه الأفضل نور الدين والعساكر عنده فملك دمشق والساحل وبعلبك وصرخد وبصرى وبانياس وشوش وجميع الأعمال إلى الداروم وكان بمصر ابنه العزيز عثمان فاستولى عليها وكان بحلب ابنه الظاهر غازي فاستولى عليها وعلى أعمالها مثل حارم وتل باشر وإعزاز وبرزية ودربساك وغيرها وأطاعه صاحب حماة ناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شيركوه وله مع حماة سلمية والمعرة ومنبج وابن محمد بن شيركوه وله مع الرحبة حمص وتدمر وبعلبك بهرام شاه بن فرخشاه بن شاهنشاه ولقبه الأمجد وببصرى الظافر بن صلاح الدين ولقبه الأمجد مع أخيه الأفضل وشيرز سابق الدين عثمان ابن الداية وبالكرك والشويك الملك العادل وبلغ الخبر إلى العادل فأقام بالكرك واستدعاه الأفضل من دمشق فلم يجبه فخوفه ابن أخيه العزيز صاحب مصر من عز الدين صاحب الموصل وقد كان سار من الموصل إلى بلاده العادل بالجزيرة فوعده بالنصر منه وأوهمه الرسول إن لم يسر إلى الأفضل بدمشق أنه متوجه إلى العزيز بمصر ليحالفه عليه فحينئذ إرتاب العادل وسار إلى الأفضل بدمشق فتلقاه بالميرة وجهز له العساكر لمدافعة عز الدين صاحب الموصل عن بلاد الجزيرة وأرسل إلى صاحب حمص وصاحب حماة يحضهم على إنفاذ العساكر معه وعبر بها الفرات وأقام بنواحي الرها وكان عز الدين مسعود بن مودود صاحب الموصل لما بلغه وفاة صلاح الدين اعتزم على المسير إلى بلاد العادل بالجزيرة حران والرها وسائرها ليرتجعها من يده ومجاهد الدين قايماز أتابك دولته يثنيه عن ذلك ويعذله فيه فتبين حال العادل مع ابن أخيه وبينما هو في ذلك إذا جاءت الأخبار بأن العادل بحران ثم وافاهم كتابه بأن الأفضل ملك بعد أبيه صلاح الدين وأطاعه الناس فكاتب عز الدين جيرانه من الملوك مثل صاحب سنجار وصاحب ماردين يستنجدهم وجاء إليه أخوه على نصيبن وسار معه إلى الرها فأصابه المرض في طريقه ورجع إلى الموصل فمات أول رجب من السنة واستقرت إيالة العادل في ملكه من الجزيرة فلم يهجه منها أحد والله تعالى ينصر من يشاء من عباده.

.مسير العزيز من مصر إلى حصار الأفضل بدمشق وما استقر بينهم في الولايات.

كان العزيز عثمان بن صلاح الدين قد استقر بمصر كما موالي أبيه منحرفين عن الأفضل ورؤساؤهم يومئذ جهاركس وقراجا وقد استقر بهم عدو الأفضل والأكراد وموالي شيركوه شيعة له فكان العدو يعدون العزيز بهؤلاء الشيع ويخوفونه من أخيه الأفضل ويغرونه بانتزاع دمشق من يده فسار لذلك سنة تسعين وخمسمائة ونزل على دمشق واستنزل الأفضل وهو بأعماله بالجزيرة وسار لعمه العادل بنفسه وسار معه الظاهر غازي بن صلاح الدين صاحب حلب وناصر الدين محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه صاحب حماة وشيركوه ابن محمد بن شيركوه صاحب حمص وعساكر الموصل ممن قبل عز الدين مسعود بن مودود وساروا كلهم إلى الأفضل بدمشق لإنجاده فامتنع على العزيز مرامه وتراسلوا في الصلح على أن يكون القدس وأعمال فلسطين للعزيز وجبلة واللاذقية للظاهر صاحب حلب وتبقى دمشق وطبرية والغور للأفضل وأن يستقر العادل بمصر مدبرا دولة العزيز على اقطاعه الأول وانعقد الصلح على ذلك ورجع العزيز إلى مصر وعاد كل إلى بلده والله تعالى أعلم.

.حصار العزيز ثانيا دمشق وهزيمته.

ولما عاد العزيز إلى مصر عاد موالي صلاح الدين إلى أغرائه بأخيه الأفضل فتجهز لحصاره بدمشق سنة إحدى وتسعين وسار الأفضل من دمشق إلى عمه العادل بقلعة جعبر ثم إلى أخيه الظاهر غازي بحلب مستنجدا لهما وعاد إلى دمشق فوجد العادل قد سبقه إليها واتفقا على أن تكون مصر للأفضل ودمشق للعادل ووصل العزيز إلى قرب دمشق وكان الأكراد وموالي شيركوه منحرفين عنه كما قدمناه وشيعة للأفضل ومقدمها سيف الدين أبو ركوش من الموالي وأبو الهيجاء السمين من الأكراد فدلسا للأفضل بالخروج إلى العزيز وواعداه الهزيمة عنه فخرجا في العساكر وإنحار إليهما الموالي والأكراد وانهزم العزيز إلى مصر وبعث الأفضل العادل إلى القدس فتسلمه من نائب العزيز وساروا في إتباعه إلى مصر والعساكر ملتفة على الأفضل فارتاب العادل وخشي أن لا يفي له الأفضل بما اتفقا عليه ولا يمكنه من دمشق فراسل العزيز بالثبات وأن ينزل حامية ووعد من نفسه المظاهرة على أخيه وتكفل له منعه من مقاتلته بلبيس فترك العزيز بها فخر الدين جهاركس في عسكر من موالي أبيه وأراد الأفضل مناجزتهم فمنعه العادل فأراد الرحيل إلى مصر فمنعه أيضا وقال له إن أخذت مصر عنوة انخرقت الهيبة وطمع فيها الأعداء والمطاولة أولى ودس إلى العزيز بإرسال القاضي الفاضل وكان مطاعا فيهم لمنزلته عند صلاح الدين فجاء إليهما وعقد الصلح بينهم على أن يكون للأفضل القدس وفلسطين وطبرية والأردن مضافة إلى دمشق ويكون للعادل كما كان القديم ويقيم بمصر عند العزيز يدبر أمره وتحالفوا على ذلك وعاد الأفضل إلى دمشق وأقام العادل عند العزيز بمصر انتهى والله أعلم.